فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قالوا: لأنه لما ذهب ليسقي لهما لم يزاحم الناس، وإنما مال إلى ناحية أخرى وجد بها عُشْبًا عرف أنه لا ينبت إلا عند ماء، وفي هذا المكان أزاح حجرًا كبيرًا لا يقدر على إزاحته إلا عدة رجال، ثم سقى لهما من تحت هذا الحجر، وعرفتْ أنه أمين حينما رفض أن تسير أمامه، حتى لا تظهر له مفاتن جسمها.
ويأتي دور الأب، وما ينبغي له من الحزم في مثل هذه المواقف، فالرجل سيكون أجيرًا عنده، وفي بيته بنتان، سيتردد عليهما ذهابًا وإيابًا، ليلَ نهار، والحكمة تقتضي إيجاد علاقة شرعية لوجوده في بيته؛ لذلك رأى أن يُزوِّجه إحداهما ليخلقَ وَضْعًا، يستريح فيه الجميع: {قَالَ إني أُرِيدُ}.
في الأمثال نقول: اخطب لبنتك ولا تخطب لابنك ذلك لأن كبرياء الأب يمنعه أنْ يعرض ابنته على شاب فيه كلُّ صفات الزوج الصالح وإنْ كان القلة يفعلون ذلك وهذه الحكمة من الأب في أمر زواج ابنته تحلُّ لنا إشكالات كثيرة، فكثيرًا ما نجد الشاب سويَّ الدين، سويَّ الأخلاق، لكن مركزه الاجتماعي كما نقول دون مستوى البنت وأهلها، فيتهيب أنْ يتقدّم لها فيُرفض.
وفي هذه الحالة على الأب أنْ يُجَرِّىء الشاب على التقدم، وأن يُلمح له بالقبول إن تقدَّم لابنته، كأن يقول له: لماذا لم تتزوج يا ولد حتى الآن، وألف بنت تتمناك؟ أو غير ذلك من عبارات التشجيع.
أما أن نرتقي إلى مستوى التصريح كسيدنا شعيب {إني أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتي هَاتَيْنِ} [القصص: 27] فهذا شيء آخر، وأدب عَالٍ من العارض، ومن المعروض عليه، وفي مجتمعاتنا كثير من الشباب والفتيات ينتظرون هذه الجرأة وهذا التشجيع من أولياء أمور النبات.
ألاَ ترى أن الله تعالى أباح لنا أن نُعرِّض بالزواج لمن تُوفِّى عنها زوجها، قال تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النساء} [البقرة: 235] ولا تخفي علينا عبارات التلميح التي تلفت نظر المرأة للزواج.
وقوله: {على أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] أي: تكون أجيرًا عندي ثماني سنوات، وهذا مَهْر الفتاة، أراد به أن يُغلِي من قيمة ابنته، حتى لا يقول زوجها: إنها رخيصة، أو أن أباها رماها عليه.
{فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص: 27] يعني: حينما تعايشني ستجدني طيبَ المعاملة، وستعلم أنك مُوفّق في هذا النسب، بل وستزيد هذه المدة محبة في البقاء معنا.
فأجاب موسى عليه السلام: {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} أي: أنا بالخيار، أقضي ثمانية، أم عشرة {فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ والله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص: 28].
وقد أخذ العلماء حُكْمًا جديدًا من هذه الآية، وهو أن المطلوب عند عقد الزواج تسمية المهر، ولا يشترط قبضه عند العقد، فلَك أنْ تُؤجله كله وتجعله مُؤخّرًا، او تُؤجل بعضه، وتدفع بعضه.
والمهر ثمن بُضْع المرأة، بحيث إذا ماتت ذهب إلى تركتها، وإذا مات الزوج يُؤخَذ من تركته، بدليل أن شعيبًا عليه السلام استأجر موسى ثماني أو عشر سنين، وجعلها مهرًا لابنته.
ونلحظ أن السياق هنا لم يذكر شيئًا عن الطعام، مع أن موسى عليه السلام كان جائعًا ودعا ربه: {رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24].
لكن يروي أهل السير أن شعيبًا عليه السلام قدّم لموسى طعامًا، وطلب منه أن يأكل، فقال: أستغفر الله، يعني: أنْ آكل من طعام. كأنه مقابل ما سقى للبنتين الغنم؛ لذلك قال: إنَّا أهل بيت لا نبيع عمل الآخرة بملء الأرض ذهبًا، فقال شعيب: كُلْ، فإنَّا أهل بيت نطعم الطعام ونقري الضيف، قال: الآن نأكل. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {طسم تِلْكَ ءايَاتُ الكتاب المبين} أي: القرآن وهو مبين للأحكام، وقد ذكرناه قال أبو سعيد الفاريابي في قوله تعالى طا قال: هو طاهر عما يعلوه، والسين سامع لما وصفوه، والميم ماجد حين سألوه، والماجد كثير العطاء.
ويقال: أمجدني فلان إذا أكثر إعطاؤه.
ويقال: طا أي أقسم الله بطالوت، وسين أقسم الله بسليمان، وميم أقسم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم.
{نَتْلُواْ عَلَيْكَ} يعني: ننزل عليك جبريل عليه السلام، يقرأ عليك {مِن نَّبَإِ موسى وَفِرْعَوْنَ بالحق} أي: من خبر موسى وفرعون بالصدق {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يعني: يصدقون محمدًا صلى الله عليه وسلم بهذه الآية، وإنما أنزل القرآن لجميع الناس ولكن المؤمنين هم الذين يصدقون، فكأنه لهم، وذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذونهم المشركون، فيشكون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه السورة في شأنهم، لكي يعرفوا ما نزل في بني إسرائيل من فرعون وقومه، ليصبروا كصبرهم، وينجيهم ربهم كما أنجا بني إسرائيل من فرعون وقومه، وهذا كقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البأساء والضراء وَزُلْزِلُواْ حتى يَقُولَ الرسول والذين ءَامَنُواْ مَعَهُ متى نَصْرُ الله ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ} [البقرة: 214] الآية.
ثم أخبر عن فرعون فقال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ في الأرض} يعني: اسْتَكْبَرَ وتعظم عن الإيمان، وخالف أمر موسى في أرض مصر {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} يعني: أهل مصر فرقًا {يَسْتَضْعِفُ} يعني: يستقهر {طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ} يعني: من أهل مصر، وهم بنو إسرائيل، فجعل بعضهم ينقل الحجارة من الجبل، وبعضهم يعملون له عمل النجارة، وبعضهم أعمال الطين، ومن كان لا يصلح لشيء من أعماله يأخذ منه كل يوم ضريبة درهمًا، فإذا غابت الشمس، ولم يأت بالضريبة غلت يده اليمنى إلى عنقه، ويأمره بأن يعمل بشماله، هكذا شهرًا.
ثم قال: {يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ} أي يعني: أبناء بني إسرائيل صغارًا.
{إِنَّ فِرْعَوْنَ} يعني: يستخدم نساءهم، وأصله من الاستحياء.
يعني: يتركهن أحياء.
وروى أسباط عن السدي قال: بلغنا أن فرعون رأى فيما يرى النائم، كأن نارًا أقبلت من أرض الشام، فاشتملت على بيوت مصر، وكانت الشام أرض بني إسرائيل أول ما كانوا، فأحرقتها كلها إلا بيوت بني إسرائيل، فسأل الكهنة عن ذلك فقالوا: يولد في بني إسرائيل مولود، يكون على يديه هلاك أهل مصر، فأمر فرعون بأن لا يولد في بني إسرائيل ذكر إلا ذبح، وعمد إلى ما كان من بني إسرائيل خارج مصر، فأدخلهم المدينة، واستعبدهم، ورفع العمل عن رقاب أهل مصر، ووضعه على بني إسرائيل ثم قال: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين} يعني: فرعون كان يعمل بالمعاصي.
قوله عز وجل: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا في الأرض} يعني: أردنا أن نمن بالنجاة على الذين استضعفوا في الأرض، وهم بنو إسرائيل {نَّمُنَّ} يعني: ننعم عليهم {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} يعني: قادة في الخير {وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين} يعني: أرض مصر، وملك فرعون، وقومه بعد هلاك فرعون.
{وَنُمَكّنَ لَهُمْ} يعني: نملكهم ويقال: ننزلهم في الأرض {فِى الأرض} يعني: في أرض مصر {وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وهامان} قرأ حمزة والكسائي {وَيَرَى} بالياء والنصب، و{فِرْعَوْنَ وهامان} {وَجُنُودَهُمَا} بالرفع، كل ذلك قرأ.
والباقون {وَنُرِىَ} بالنون والضم و{فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا} كلها بالنصب ونصب نرى، لأنه معطوف على قوله: {أَن نَّمُنَّ} فكأنه قال أن نمن وأن نري، ونصب فرعون لوقوع الفعل عليه.
ومن قرأ بالياء رفعه، لأن الفعل منه ثم قال: وهامان وجنودها {مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} يعني: يرون ما كانوا يخافون من ذهاب الملك.
وقوله عز وجل: {وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى} يعني: أَلْهمنا أم موسى {أَنْ أَرْضِعِيهِ} وذلك: أن أم موسى حبلت، فلم يظهر بها أثر الحبل حتى ولدت موسى وأرضعته ثلاثة أشهر أو أكثر، فألهمها الله تعالى بقوله: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} يعني: إلى صباحه {فَأَلْقِيهِ في اليم} يعني: في البحر قال مقاتل وهو النيل فعلمها جبريل.
ويقال: رأت في المنام بأنها تؤمر أن تلقيه في البحر.
ويقال: كان هذا إلهامًا.
ويقال: كانت دلالة حيث علمت بالرؤيا أو شيء خيل لها أن تفعل ما فعلت، كما أن إبراهيم عليه السلام رأى في المنام ذبح إسحاق وإسماعيل عليهما السلام وذكر أنها كانت تخبز يومًا، وكان موسى عليه السلام على رأس التنور، إذ دخل قوم فرعون يطلبون الولد، فوضعته في التنور، فدخلوا فلم يجدوا موسى عليه السلام فجاءت إلى التنور، فوجدته يلعب بأصابعه في الأرض، فاستيقنت أن الله تعالى يحفظه، فجعلته في التابوت، وألقته في النيل، ثم قال: {وَلاَ تَخَافِى} الغرق {وَلاَ تَحْزَنِى} أن لا يرد إليك {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وجاعلوه مِنَ المرسلين} يعني: رسولًا إلى فرعون وقومه، فلما ألقته في النيل جاء به الماء، وكان ممر الماء في دار فرعون، فوجدته جواري فرعون بين الماء والشجر، فمن ثم سمي موسى بلفظ القبط موسى، فذلك قوله تعالى: {فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} يعني: إن أخذهم إياه كان سببًا لحزنهم، فكأنهم أخذوه لذلك، وإنما كان أخذهم لم يكن لذلك.
قرأ حمزة والكسائي {وَحَزَنًا} بضم الحاء، وسكون الزاي.
وقرأ الباقون بنصب الحاء والزاي، وهما لغتان: ومعناهما واحد.
{إِنَّ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خاطئين} يعني: مشركين ويقال: عاصين آثمين.
قوله عز وجل: {وَقَالَتِ امرأت فِرْعَوْنَ} واسمها آسية لفرعون هذا الغلام {قُرَّةُ عَيْنٍ لّى وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ} فإنه آتانا به الماء من مصر آخر، ومن أرض أخرى، وليس من بني إسرائيل ويقال: إنها قالت إن هذا كبير، ومولود قبل هذه المدة التي أخبر لك {عسى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} فإنه لم يكن له ولد ذكر.
قال فرعون: فهو قرة عين لك، فأما أنا فلا.
وروي عن ابن عباس أنه قال: لو قال فرعون أيضًا: هو قرة عين لي لنفعه الله تعالى به، ولكنه أبى.
ويقال: {قُرَّةُ عَيْنٍ لّى} وقد تمّ الكلام.
ثم قالت: {وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ}.
قال: وروى عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقف على {قُرَّةُ عَيْنٍ لّى وَلَكَ} ثم قال لا تقتلوه، أي {لاَ تَقْتُلُوهُ} فلا الثاني إضمار في الكلام، والتفسير الأول أصح ثم قال: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أي لا يشعر فرعون وقومه أن هلاكهم على يديه.
ثم قال عز وجل: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ موسى فَارِغًا} يعني: خاليًا من كل ذكر وشغل إلا ذكر موسى عليه السلام.
ويقال: صار قلبها فارغًا حين بعثت أخته لتنظر، فأخبرتها بأنه قد أخذ في دار فرعون، فسكنت حيث لم يغرق.
ويقال: صار قلبها فارغًا، لأنها علمت أنه لا يقتل.
وروي عن فضالة بن عبيد أنه قرأ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ موسى} يعني: خائفًا.
وقراءة العامة {موسى فَارِغًا} وتفسيره ما ذكرناه وقد قيل أيضًا: فارغًا من شغل نفقته {إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ} يعني: وقد كادت لتظهر به.
قال مقاتل: وذلك أنها لما ألقت التابوت في النيل، فرأت التابوت يدفعه مرة، ويضعه أخرى، فخشيت عليه الغرق، فعند ذلك فزعت عليه، وكادت أن تصيح ويقال: إنه لما كبر كان الناس يقولون: هو ابن فرعون، فكأن ذلك شق عليها، وكادت أن تظهر أن هذا ولدي، وليس بولد فرعون.
ويقال: لما دخل الليل، دخل الغم في قلبها، حيث لم تدر أين صار ولدها، فأرادت أن تظهر ذلك {لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} أي: ثبتنا قلبها.
ويقال: قوينا قلبها، وألهمناها الصبر {لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين} يعني: من المصدقين بوعد الله تعالى حيث وعد لها بإنا رادوه إليك، فلم تجزع، ولم تظهر.
قوله عز وجل: {وَقَالَتْ لاخْتِهِ قُصّيهِ} يعني: قالت أم موسى، لأخت موسى وكان اسم أخته مريم {قُصّيهِ} يعني: اتبعي أثره.
ويقال: يعني: امشي بجنبه في الحد، وهو في الماء حتى تعرف من يأخذه {فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ} يعني: بصرته عن بعد كما قال: {واعبدوا الله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وبالوالدين إحسانا وَبِذِى القربى واليتامى والمساكين والجار ذِى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36] يعني: البعيد منهم من قوم آخرين.